المسجد العتيق في تيارت: رمز المقاومة والإيمان
يعد المسجد العتيق في تيارت واحدًا من أبرز المعالم التاريخية والدينية في المدينة، حيث شُيّد في أواخر عام 1869م، كرد فعل من سكان المنطقة على بناء المستعمر الفرنسي لكنيسة في قلب المدينة. أصبح هذا المسجد رمزًا للهوية الدينية والثقافية للسكان المحليين، ويمثل أحد آخر المعالم التاريخية الباقية التي ارتبطت بالذاكرة الشعبية لسكان تيارت.
خلفية تاريخية
تم بناء المسجد العتيق في فترة زمنية شهدت فيها الجزائر مقاومة ثقافية ودينية ضد الاستعمار الفرنسي. كان بناء المسجد بمثابة تحدٍ واضح للاستعمار، حيث أراد السكان أن يكون لهم معلم ديني يعبر عن هويتهم الإسلامية ويرد على محاولات الفرنسة المسيحية للمدينة.
الهندسة المعمارية
تتميز الهندسة المعمارية للمسجد العتيق بأنها تمزج بين الأصالة والتأثيرات الأجنبية. فقد استعان السكان ببنائين إيطاليين، الذين أبدعوا في تصميم المسجد وفق مخطط هندسي يجمع بين الجمال والوظيفة. الحجارة التي استخدمت في بناء المسجد ليست حديثة فقط، بل هي أيضًا جزء من تاريخ المنطقة، حيث تم استخدام حجارة من سور أثري قريب. هذا الأمر دفع البعض إلى الاعتقاد بأن المسجد قد يعود إلى فترة أقدم من عام 1869م، وربما إلى الفترة العثمانية في الجزائر.
الموقع والتصميم
يقع المسجد العتيق على ساحة الشهداء، وهي الساحة التي شهدت إعدام الشهيد علي معاشي ورفاقه، مما يضيف إلى المسجد رمزية وطنية بالإضافة إلى رمزيته الدينية. يمكن الوصول إلى المسجد عبر بوابتين: الأولى تطل على ساحة الشهداء من خلال حديقة خضراء، والثانية جانبية ترتبط بسلالم تربط شارع الأمير عبد القادر بشارع المقاومة وحي الشهيد خلداوي عبد الوهاب، الذي يحتضن ضريح الوليّ الصالح سيدي خالد.
الأثر الاجتماعي والديني
منذ افتتاحه في عام 1870م، أصبح المسجد العتيق مركزًا دينيًا واجتماعيًا للمسلمين في تيارت. كان المسجد بمثابة ملاذ روحي للمصلين ومكانًا للقاء العلماء والشيوخ لتبادل العلوم الشرعية والدينية. كما أنه يرتبط بشكل وثيق مع ضريح الولي الصالح سيدي خالد، الذي كان يقصده المصلون قبل بناء المسجد.
يمثل المسجد العتيق في تيارت أكثر من مجرد مكان للعبادة؛ إنه رمز للصمود الثقافي والديني للسكان المحليين في وجه محاولات الاستعمار الفرنسي لفرض هويته. مع مرور الزمن، ظل المسجد العتيق شاهدًا على تاريخ المدينة، ومركزًا للحفاظ على التراث الإسلامي في تيارت. تجسد جدرانه وحجارته قصة مقاومة وتحدٍ، كما أنه يظل معلمًا حيويًا في الذاكرة الجماعية للسكان المحليين، ورمزًا للهوية الوطنية والدينية.
اترك تعليقاً